رأى نائب رئيس حركة "التجدد الديمقراطي" أنطوان حداد، أنّه "ليس أمراً عاديّاً أن يبدي المجتمع الدولي اهتماماً بحجم 11 مليار دولار ببلد صغير كلبنان، إذ مهما قيل في خلفيّات هذا الدعم الموعود فإنّ دولاً محورية في المنطقة أو في العالم لم تلق جزء بسيطاً من العناية المالية الّتي وعد بها لبنان"، موضحاً أنّ "هذا الدعم مقيّد لا بل مشروط بإصلاحات جذرية هي وحدها الكفيلة بتحويل مؤتمر "سيدر" وما سينتج عنه إلى فرصة لانتشال لبنان من حافة الهاوية الإقتصادية والإجتماعية الّتي يترنّح على ضفافها منذ بعض الوقت".
وأشار حداد، في تصريح، إلى أنّه "كي لا يبقى الحديث عن الإصلاحات عموميّاً وغير واضح المضمون، فإنّ الإصلاحات لا بد أن تتضمّن، بالإضافة إلى الإصلاحات الهيكلية الكلاسيكية الّتي توصي بها المنظمات الدولية من انضباط مالي وخفض للعجز وتحقيق فائض أوّلي في الموازنة وتحديث السياسة الضريبة والإمتناع عن الهندسات المالية، لا بدّ أن تتضمّن سياسات وخيارات جذرية خاصّة بالوضع الفريد الّذي يعانيه لبنان قياساً بدول العالم من حيث تداخل وتضافر العوامل المعيقة للاقتصاد ولحسن عمل الدولة".
وبيّن أنّ السياسات يمكن تلخيصها في أربعة محاور:
أوّلاً، إعتماد سياسة حقيقيّة لمكافحة الفساد لا تكتفي بالشعارات والعموميات، بل تبدأ بإلزام الوزراء بالكفّ عن مخالفة القانون وتطبيق التشريعات النافذة والملزمة، خصوصاً في القطاعات الّتي تتضمّن إنشاء هيئات ناظمة كالطاقة والإتصالات والطيران المدني، والإلتزام الفعلي بأصول منح الصفقات العمومية، ووضع حدّ حقيقي للتوظيف المقنّع على قاعدة الولاء السياسي والزبائنية الّذي هو السبب الرئيسي لتفاقم العجز والتورم السرطاني للإدارة ولحجم الدولة قياساً بحجم الإقتصاد، وغيرها من التدابير الّتي يدركها عامّة المواطنين ويدرك معها انّ الفساد ما كان ليستشري إلى هذا الحد لولا نظام المحاصصة الطائفية المستتر بذريعة الشراكة المزعومة بين الطوائف.
ثانياً- إعادة النشاط الإقتصادي بمجمله إلى كنف الدولة بعدما أصبح "الإقتصاد الأسود" يشكّل ما يقارب الـ20 بالمئة من الناتج المحلي ويحرم الخزينة من نحو 4 مليار دولار ويشكّل منافسة قاتلة لفئة واسعة من التجار والصناعيين والمزارعين والعمال الماهرين والمستشمرين الّذين يصرّون على العمل تحت سقف القانون. هذا "الإقتصاد الأسود" يشتمل على التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية والتهرب الجمركي والتهرب الضريبي وتجارة الممنوعات والعمالة السوداء وغيرها من النشاطات غير المشروعة الّتي تحظى كلّها بحماية قوى الأمر الواقع وبعض المسؤولين.
ثالثاً- الإنتقال التدريجي إلى اقتصاد منتج تنافسي وتشغيلي يعيد إحياء الطبقة الوسطى، العمود الفقري للإستقرار المستدام، ويحدّ من الإتكال على الريع المصرفي والعقاري، ويخلق فرص عمل لائقة خصوصاً في القطاعات الحديثة ذات القيمة المضافة المرتفعة الّتي يبرع فيها اللبنانيون في كلّ أنحاء العالم ما عدا لبنان، واستعادة الأسواق التقليدية للزراعة والصناعة والسياحة اللبنانية التي افتقدتها اما بسبب التطورات الاقليمية او بسبب الاصطفافات والسياسات الخارجية المتهورة، وذلك بالتزامن مع اعتماد سياسة واقعية لإدارة اللجوء والنزوح تجمع بين احترام حقوق الانسان والمصالح الاساسية للبنانيين، وهي سياسة باتت معالمها واضحة ويصر بعض من في السلطة على تجاهلها.
رابعاً- تطوير سياسة "النأي بالنفس" الّتي تنطوي على قدر كبير من الغموض والرضائية ولا تقدمّ ضمانات كافية لتحقيق الإستقرار المستدام الّذي هو الشرط الأول لعودة لبنان بلداً جاذباً للإستثمارات والودائع بشكل طبيعي وليس عبر هندسات مكلفة او عبر دعم خارجي استثنائي كمؤتمر سيدر، لا بل لوقف نزيف التحويلات الى الخارج الذي يطل برأسه عند كل تدهور في الاوضاع الاقليمية. وهذا يتطلب برأينا انتقالا واضحا باتجاه نوع من الحياد الايجابي يكفل الانسحاب الكامل الفعلي من النزاعات الاقليمية والدولية خصوصا الحرب السورية والتطبيق الكامل للقرار 1701، بالتزامن مع حصر السلاح في يد الدولة وهو الشرط الاساس لاستمرار اي دولة واستقرارها".
وشدّد حداد على أنّ "مؤتمر "سيدر" وما أظهره من استعداد دولي متجدّد للرهان على مستقبل لبنان، يضعنا مرّة جديدة أمام مفترق طرق واضح ويرمي الكرة مجدّداً في ملعب اللبنانيين ان هم رغبوا في استعادة الثقة بمستقبل بلدهم".